/ الفَائِدَةُ : (13) /

12/07/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / للعقل مَادَّةٌ من سنخه / إِنَّه إِذا أَمكن تصوير أَنَّ العقل النَّظري في إِدراكه يقوم بعملٍ أَمكن أَن يُصوَّر في عَالَمِ المجرَّدات التَّكامل والحركة ، وهي تحتاج إلى مَادَّةٍ ، فيكون عالم العقل فيه قوَّة وقابليَّة ومَادَّة ، لكنَّها ليست بجسمانيَّة(1)، ولا برزخيَّة مثاليَّة(2)، ولا من عَالَمِ القيامة(3)، ولا من عَالَمِ الجنَّة ، بل عقليَّة لطيفة ، بينها وبين المواد الأُخرى تفاوت شاسع وشديد ، وليست لها أَحكام المَادَّة لجسمانيَّة ولا المثاليَّة ، نعم لو قيست إلى الصُّور العقليَّة فهي مَادَّة لكنَّها إِذا قيست إلى الصُّور الجسمانيَّة ـ الكمال الجسماني ـ أَو الصُّور البرزخيَّة المثاليَّة ـ الكمال المثالي ـ فهي أَشدُّ بطشاً ، وكالمحيط في الطاقة والكمال بالقياس إلى كمال الجسم والمثال ، فالصُّورة في عَالَمِ الجسم والمثال والتي هي كمال عَالَم الجسم والمثال إذا قيست إلى المَادَّة العقليَّة فهي كالقطرة في بحر الكمالات العقليَّة ، ولكنَّها سميَّت مَادَّة ؛ لأَنَّها بالقياس إلى الصُّورة العقليَّة هي ناقصة وتحتاج إلى التَّكامل والتَّقوُّم بالصُّور العقليَّة. لكنَّ الرأي الفلسفي السائد والرسمي أَنكر هذه المَادَّة ؛ وإِنَّ العقول انيَّات مُجرَّدة وفعليَّات صِرفة فلا تكامل فيها ، ولا تخرج من القوَّة إلى الفعل ؛ لأَنَّها وجدت بدرجة مُتمُّ الكمال ، وبالتالي أَنكروا كثيراً من معلومات الوحي الدَّالَّة على التَّكامل في عَالَمِ البرزخ والقيامة والجنَّة والنور والعقل ، وأَوَّلوها ؛ لعدم مكنتهم تصوير ذلك ، وإِقامة البرهان عليه. وهذا من الأَبحاث المهمَّة التي تنفتح منه أَبواب من البحوث في عَالَمِ البرزخ ، والمعاد ، والقيامة ، والعقل. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المواد الجسمانيَّة يوجد فيما بينها تفاوت من حيث الغلظة واللَّطافة إلى ما شاء الله تعالى ، فمَادَّة الجدار ـ مثلاً ـ إِذا قيست إلى الهواء كان ألطف منها ، وهو إِذا قيس إِلى أَشعة وطاقة كانت ألطف منه ، والأَشعة والطاقة بعضها ألطف من الآخر ، فهناك أشعة فوق البنفسجيَّة وتحتها ، وفوق الحمراء وتحتها. وعلماء الفيزياء يقرُّون : أَنَّ هناك طاقات سابحة في الكون إلى الآن لم تُكتشف ، ولو أُكتشفت لازدهرت الحياة في كوكبنا. وهكذا الأَصوات ، فهناك ذبذبات لم تلتقطها الأَجهزة الحديثة ، بل تحتاج إلى أَجهزة أَدق ، بل هناك أَمواج صوتيَّة لا تلتقطها تلك الأَجهزة وان بلغت من الدِّقَّة ، ومن ثَمَّ علماء الفيزياء يحدسون إِجمالاً بوجود ذبذبات وأَصوات على رهافة ولطافة لا تدركها أَشدُّ وأَعقد الأَجهزة ، نعم ذلك يتسنى لبعض الحيوانات. وهكذا سرعة الضوء إذا قيست إلى سرعة الصُّوت ، فإِنَّها أَضعاف مضاعفة ، وهو إذا قيس إلى سرعة الأشعة فسرعتها أضعاف مضاعفة ، وهناك أشعة ضوئيَّة وأَمواج صوتيَّة لا تُرى ولا تُسمع أَسرع بكثير من الضَّوء والصَّوت المحسوسين. هذا ، وغيره الكثير كلّه في المادة الجسمانيَّة. (2) المادة البرزخية أَو عَالَمِ المثال أَشف وألطف بكثير من عَالَمِ الأَجسام ، فهو كقطرة في محيط ـ كما جاء ذلك في بيانات الوحي ـ ثُمَّ إِنَّ عَالَم البرزخ نفسه على درجات وطبقات من اللَّطافة ، فإِنَّ الأَموات ليسوا على طبقة واحدة ؛ لأَنَّ حصيلت أَعمالهم وعقائدهم مختلفة فتختلف درجاتهم وطبقاتهم ، قال تعالى : [وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا] الاسراء : 21. (3) مادة عَالَم القيامة تختلف من حيث اللَّطافة مع عَالَم البرزخ إِختلافاً شاسعاً وكقطرة في محيط ، فهو من حيث القُدرة والطَّاقة والسُّرعة والسِّعة والفسحة والنور والبهجة والتَّشعشع من جانب الكمال ، وكذا من جانب التَّردِّي شاسع ولا يقاس بعَالَمِ البرزخ ، فنار القيامة أَشدُّ لسعاً من نار البرزخ ولها قدرة عجيبة وعظيمة